يُعنفونني ولكنني تخلصت منهم

 

غزة/ وحدة النشر والمعلومات_ بقلم مي عمار

عندما يجور الزمان على البشرية, وتتحطم الآمال, ويُخيم اللون الأسود على الحياة, تردنا تلك القصص الحزينة التي عانوا أصحابها الكثير.

تردنا “غالية” ويا لها من فتاة خجولة صغيرة مُطيعة لا تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها, عاشت مع عائلتها التي كانت صفتهم الدائمة هي “الطمع”, كَبُرَت غالية درست وتعلمت دبلوم تصنيع غذائي في أحد الكليات في مدينة غزة, وحصلت على درجات عالية في تخصصها, حتى كوفِئَتْ غالية بعقد عمل لمدة معينة وأصبحت تخرج وتختلط بالمجتمع وتذهب هنا وهناك, إلى أن جاء ذاك العريس البغيض, قصير القامة, محدود التفكير والعقل, مريض القلب, ثقيل اللسان, لديه ضعف جنسي خطير, ولكن الصفة التي لطالما بحث أهلها عنها وهي توفر الـمــال كانت لديه وعائلته ..

دون أي مناقشات مع غالية أو السؤال عن الشاب ووضعه قاموا أهلها بالرد مباشرةً والموافقة على الخِطبة رغم رفض غالية ذاك الشاب وإصرارها على توصيل فكرتها ورأيها إلى أهلها ولكن لم يكن هناك استجابة من قبل عائلتها إنما أصروا أن تتم الخِطبة, وفي أثناء تلك الفترة كانت حالته الغير طبيعية تظهر شيئاً فشيئاً أمام غالية, وأصبح الخوف يُخيم على حياتها معه حتى تم زواجها وبعد ليلة زفافها أدركت غالية أنها لن تكون كأي زوجة في هذه الحياة, إنما ستعاني الكثير ..

وبدأت رحلة العذاب مع غالية حيث كان يقوم زوجها بضربها ضرباً مبرحاً دون أدنى سبب ومن ثم أتى دور الحمى الظالم الذي قام بحرمانها من عملها خارج المنزل ومن الخروج خارجاً ومن الزيارات الاجتماعية وحتى من زيارة أهلها وهو أبسط حقوقها, وقد مُنعت غالية من مشاهدة التلفاز والكثير من الأمور والممارسات العادية حتى داخل منزلها وأصبحت غالية مسجونة لا تستطيع أن تعيش حياة البشر الطبيعية بسبب قواعد وعوائق تلك العائلة الغريبة ولا تستطيع التواصل مع أحد ..

بات الخوف هو سيد الموقف في شخصية غالية التي لم تكن تشعر بالراحة والآمان حتى في غرفة نومها حيث تُضرب وتُهان كأنها حيوان ضعيف في وادي من الذئاب وترى زوجها بأبشع حالاته حيث يقوم بحركات غير طبيعية همجية وغير مدروسة, واستمر الحال بها هكذا مدة طويلة, حتى جاء ذاك اليوم التعيس الذي قامت غالية فيه بالاتصال مع عائلتها عبر الهاتف بعدما كانت تعيش مدة طويلة بعيدة عنهم لكنها كانت تحدثهم عبر الهاتف في بعض الأحيان (إن سُمح لها) وتعلم أنها مراقبة من قبل عائلة زوجها فلا تستطيع أن تفرغ عما بداخلها وفي ذاك اليوم بدأت تجهش بالبكاء والصراخ وتشكوا لأمها حالها وحال زوجها وأهل زوجها ولسوء حظها كان الحمى يسمع كل شيئ وعندما انتهت من الحديث مع عائلتها قام بتعنيفها لفظياً وجسديا حيث ضربها وقام بتهديدها إن قامت مرةً أخرى بفضح زوجها والعائلة فسيفعل كذا وكذا ..

وذهبت غالية لتزور عائلتها في عيدٍ من الأعياد بعدما اتصلت أمها على الحمى ترجوه أن تأتي ابنتها مع أخواتها إلى بيت أهلهم وعندما أتت غالية كانت لا تفعل غالية شيئاً سوى الصمت والصمت والصمت وتطمئنهم أنها بخير وأنها سعيدة وذلك خوفاً من أن يعلم الحمى البغيض بفضحها لهم, وتعود إلى بيتها دون أن تتحدث لأحد عما يحدث معها في حياتها, ولكن غالية تغيرت وشخصيتها أصبحت أكثر عنفاً وجموداً مع أهلها فلاحظت الأم وضع ابنتها الغريب الذي لم تكن عليه قبل الزواج ..

وذات يوم ذهبت أم غالية لزيارة ابنتها في بيتها وكانت الصدمة أنها عندما دخلت المنزل وجدت غالية مغمى عليها على الأرض في غرفتها بعدما قام زوجها غريب الأطوار بضربها وتركها في غرفتها حتى أنه تركها دون أن يعلم أنها فقدت الوعي وتفاجأت الأم والزوج بحال غالية وحاولوا أن يجعلوها تفيق وعندما فاقت سرعان ما أخذتها أمها إلى البيت وبِدأ مرحلة جديدة لحياة غالية وهي تطليقها من ذاك الرجل المجنون وعائلته..

ولأن غالية كانت لديها أنذآك نفسية مدمرة تماماً قامت الأم بالمجيئ بها إلى المركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات بحثاً عن حل وعلاج نفسي لغالية حيث قامت هنا المرشدة سمر في مركز حل النزاعات بمساعدتها لإكتساب أساليب التعبير عن ذاتها وعما يدور في داخلها ولكنها كانت دائماً تلتفت يميناً ويساراً .. دائماً ماتبحث عن حماية تحتويها, وتصمت ولا تستطيع أن تتحدث عن شيئ..

ومن خلال جلسات التفريغ والإرشاد النفسي والاجتماعي والديني ودفع المرشدة لغالية للتقرب إلى الله ومحاولة تصحيح الأفكار الخاطئة التي سيطرت على حياتها خلال مدة زواجها وبدأت حالة غالية بالتحسن حيث بدأت تتكلم وتفرغ للمرشدة وتستجيب للنصائح التي تقدم لها وعادت لتمارس حياتها الطبيعية والدخول في دورات تدريبية ومن ثم تم طلاقها وتخلصت من تلك العائلة الظالمة وحصلت على عقد عمل مرةً أخرى من وكالة الغوث الدولية وعاشت بآمان في كنف عائلتها كما كانت من قبل وأضحت شخصية مرموقة في أسرتها ومجتمعها …

ملاحظة/ غالية إسم إفتراضي ..